At-Tadzkirah Imam Qurtubi

Hikmah Mengingat Mati

  • ARTIKEL
  • Sabtu, 11 November 2023 | 07:38 WIB
  • 10
foto

Foto: medicalnewstodays

فصل: إذ ثبت ما ذكرناه.
فاعلم أن ذكر الموت يورث استشعار الانزعاج عن هذه الدار الفانية، والتوجه في كل لحظة إلى الدار الآخرة الباقية، ثم إن الإنسان لا ينفك عن حالتي ضيق وسعة، ونعمة ومحنة، فإن كان في حال ضيق ومحنة. فذكر الموت يسهل عليه بعض ما هو فيه، فإنه لا يدوم. والموت أصعب منه، أو في حال نعمة وسعة فذكر الموت يمنعه من الاغترار بها، والسكون إليها، لقطعه عنها. ولقد أحسن من قال:

اذكر الموت هادم اللذات ... وتجهز لمصرع سوف يأتي
وقال غيره:
واذكر الموت تجد راحة ... في إذكار الموت تقصير الآمل
وأجمعت الأمة على أن الموت ليس له سن معلوم، ولا زمن معلوم، ولا مرض معلوم. وذلك ليكون المرء على أهبة من ذلك، مستعداً لذلك. وكان بعض الصالحين ينادي بليل على سور المدينة: الرحيل. الرحيل. فلما توفي فقد صوته أمير المدينة فسأل عنه.
فقيل: إنه قد مات فقال:
ما زال يلهج بالرحيل وذكره ... حتى أناخ ببابه الجمال
فأصابه متيقظاً متشمراً ... ذا أهبة لم تلهه الآمال
وكان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: ويحك يا يزيد، من ذا يترضى عنك ربك الموت؟ ثم يقول: أيها الناس ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم؟ من الموت طالبه والقبر بيته. والتراب فراشه. والدود أنيسه. وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر يكون حاله؟ ثم يبكي حتى يسقط مغشياً عليه. وقال التيمي: شيئان قطعا عني لذة الدنيا: ذكر الموت. وذكر الموقف بين يدي الله تعالى. وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يجمع العلماء فيتذاكرون الموت، والقيامة، والآخرة، فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة. وقال أبو نعيم: كان الثوري إذا ذكر الموت لا ينتفع به أياماً.

فإن سئل عن شيء قال: لا أدري لا أدري. وقال أسباط: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فأثنى عليه فقال عليه السلام: «كيف ذكره للموت؟ فلم يذكر ذلك عنه. فقال: ما هو كما تقولون» . وقال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة وقناعة القلب، ونشاط العبادة. ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة، فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيما للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله، كفى بالموت مقرحاً للقلوب، ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهادماً للذات، وقاطعاً للأمنيات، فهل تفكرت يا ابن آدم في يوم مصرعك، وانتقالك من موضعك، وإذا نقلت من سعة إلى ضيق، وخانك الصاحب والرفيق، وهجرك الأخ والصديق، وأخذت من فراشك وغطائك إلى عرر، وغطوك من بعد لين لحافك بتراب ومدر، فيا جامع المال، والمجتهد في البنيان ليس لك والله من مال إلا الأكفان، بل هي والله للخراب والذهاب وجسمك للتراب والمآب. فأين الذي جمعته من المال؟ فهل أنقذك من الأهوال؟ كلا بل تركته إلى من لا يحمدك، وقدمت بأوزارك على من لا يعذرك. ولقد أحسن من قال في تفسير قوله تعالى: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة} أي: اطلب فيما أعطاك الله من الدنيا، الدار الآخرة وهي الجنة، فإن حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة، لا في الطين والماء والتجبر والبغي، فكأنهم قالوا: لا تنس أنك تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن، ونحو هذا قول الشاعر:

نصيبك مما تجمع الدهر كله: ... رداءان تلوى فيهما، وحنوط
وقال آخر:
هي القناعة لا تبغي بها بدلاً ... فيها النعيم وفيها راحة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ... هل راح منها بغير القطن والكفن؟

Penulis: Mualif
Editor: Abu Halima
©2023 Al-Marji'

TAGS:
Bagikan melalui:

Topik Pilihan